رغم أن الأسواق العالمية تنفست الصعداء عقب الهدنة التي أقرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حرب الرسوم الجمركية التي شنها ترامب في الثاني من أبريل الحالي، إلا أن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن العالم بات اليوم أمام نظام تجاري جديد يتشكل، ومنظومات اقتصادية دولية تتحدد ملامحها؛ لتنهي عصر النظام التجاري العالمي، الذي توصلت إليه دول العالم بعد مفاوضات شاقة، وضعت أسس وقواعد التجارة الدولية الحرة على مدار عقود، وتمخض عنها إنشاء منظمة التجارة العالمية.
شكل النظام التجاري الجديد سيكون مرهونًا بنتيجة الحرب التجارية المشتعلة بين أكبر قوتين في العالم؛ وهما أمريكا والصين، والتي دخلت إلى مرحلة تكسير عظام بين الدولتين، بل يمكن القول إن البلدين في طريقهما إلى قطع تام للتجارة بينهما، بعد أن وصلت حرب الرسوم المتبادلة إلى مستويات قياسية تتجاوز ١٤٥%؛ وهي نسبة لا يمكن أن تتسق مع أبسط قواعد النفاذ للأسواق.
بعض الدوائر الاقتصادية العالمية تتوقع أن تكون الغلبة للصين في هذه المعركة الضارية؛ إذ أن الميزان التجاري يسجل فائضًا لصالح الصين يتجاوز تريليون دولار، ورفع الرسوم إلى هذا المستوى القياسي سوف يزيد التضخم والركود في الأسواق الأمريكية إلى مستويات قياسية تضر بالاقتصاد الأمريكي.
في المقابل بدأت الصين البحث عن تحالفات دولية جديدة مع الاتحاد الأوروبي الذي تضرر أيضًا من الرسوم الجمركية الأمريكية، ووجد في الصين فرصة لإقامة تحالف تجاري قوي في مواجهة أمريكا، كما وجدت بعض الدول الصناعية الكبرى؛ مثل كندا واليابان وروسيا وغيرها من الدول المتضررة من رسوم ترامب فرصة سانحة للدخول في تحالفات لبناء نظام تجاري عالمي جديد يضمن لهذه الدول والتكتلات الاقتصادية حرية الاستيراد والتصدير وفق تفضيلات توافقية، بعيدًا عن رسوم ترامب.
ورغم أن حالة عدم اليقين والترقب التي تسيطر على الأسواق في انتظار ما ستتمخض عنه المعركة التجارية بين الصين وأمريكا، إلا أن اقتصاديات العالم وفي القلب منها الدول النامية ستدفع فاتورة باهظة جراء تداعيات هذه الحرب الشرسة، وفي مقدمة هذه التداعيات التضخم الذي يتوقع أن يضرب الأسواق التي تعاني في الأساس جراء الصدمات التي تعرضت لها منذ وباء كورونا، وارتدادات الحروب والصراعات، وموجات التضخم التي تضرب العالم منذ عدة سنوات.
ورغم قتامة الأوضاع الاقتصادية العالمية وتأثيرها على اقتصاديات الدول، إلا أنه ربما توفر هذه الظروف الجديدة فرصة أمام مصر في استغلالها وجذب الاستثمارات الأجنبية؛ إذ يرى مراقبون أن مصر التي تقع في قائمة دول الـ١٠% رسوم فقط من جانب الولايات المتحدة أمامها فرصة كبيرة لجذب استثمارات ضخمة من الدول التي تقع في مصيدة الرسوم الأمريكية العالية، وتوطين هذه الاستثمارات في مصانع تقوم بتصدير منتجاتها للسوق الأمريكية، وتستفيد من رسوم الـ10% التي تتمتع بها مصر.
وفي تقديري أن هذه المنحة التي توفرها رسوم ترامب لمصر، تمثل فرصة بالفعل لمصر لاقتناص الاستثمارات المتضررة من رسوم ترامب في دول كثيرة خصوصًا في جنوب شرق آسيا، بل والصين ذاتها، ولا شك أن مصر تتمتع بمزايا فريدة؛ سواء في الموقع الذي يربطها بأسواق العالم، أو قدرتها على توفير خدمات الاستثمار؛ من أيد عاملة مدربة ورخيصة وبنية تحتية متطورة، وكلها عوامل جذب للاستثمارات الأجنبية، إذا ما أحسن استغلال هذه الفرص المواتية.
إنه عالم مختلف، ونظام تجاري جديد يولد من رحم أزمة رسوم ترامب، وربما تكون في المحنة منحة.
نقلا عن بوابة الأهرام
علي محمود